قانون المالية 2025 شدّد الرقابة ضد الفساد والمفسدين
تعزيز أساليب العمل المشترك لتعزيز فعالية جميع المصالح المعنية
إطار دولي جديد لمواجهة التحديات الناجمة عن التطور السريع للتكنولوجيـــات الماليــــة
تبذل الجزائر جهودا كبيرة في مكافحة ظاهرتيّ تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، لما لهما من آثار مدمّرة على المجتمع وعلى الاقتصاد الوطني، وكذا بسبب امتداداتهما عبر الوطنية، وعليه سطّرت الجزائر استراتيجية وطنية للوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما للفترة ما بين 2024 و2026، تقوم على شقّين أحدهما وطني والثاني دولي، وسبعة محاور تغطي جميع الجوانب التي أوصى بها البنك الدولي في هذا المجال. كما صادقت على الاتفاقيات الدولية الأربع المعنية بمكافحة تبييض الأموال.
توّجت الجزائر الجديدة مساعيها الحثيثة في الوقاية من ظاهرتيّ تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، بتبني الإستراتيجية الوطنية للوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، التي تقوم على ثلاثة مبادئ توجيهية هي: الوقاية وذلك من خلال عدد من المؤسّسات المشرفة لضمان المتطلّبات الواردة في توصيات مجموعة العمل المالي، مثل التزام المهنيّين باليقظة تجاه زبائنهم، والإخطارات بالعمليات المشبوهة وتعيين المكلف بالمطابقة في عملية مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وذلك من أجل السّهر على مرافقة وتأطير مهنيي المؤسّسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحدّدة.
ويتعلّق المبدأ الثاني بتطبيق العقوبات الردعية وهي عقوبات إدارية وجزائية، عبر نظام قانوني، يساهم بشكل فعال في مكافحة الإجرام المالي، وثالث تلك المبادئ هو التنسيق الوطني والتعاون الدولي، يتضمّن الأول تعزيز أساليب العمل المشترك من أجل تعزيز فعالية جميع المصالح المعنية، من خلال إنشاء فرق العمل أو اللجان المؤسّساتية، واللجنة الوطنية للتنسيق العملياتي المنشأة بموجب المرسوم التنفيذي رقم 23 50 المؤرّخ في 3 جانفي 2023، وفريق العمل لإجراء التقييم الوطني للمخاطر وإنشاء لجنة التنسيق الوطنية لرفع تحفظات مجموعة العمل المالي. كما نصّت الاستراتيجية في هذه النقطة على العمل المستمر ومعالجة أي اتجاهات جديدة تظهر أثناء نشر الاستراتيجية الوطنية.
تعـــاون دولــي
بينما ينصّ المبدأ الثالث المرتبط بالتعاون الدولي، على تعزيز هذا الأخير لتسهيل المساعدة القضائية الدولية المتبادلة، والتوقيع على اتفاقيات التعاون مع خلايا الاستعلام المالي الأخرى، بناء على النموذج القياسي للمجموعة EGMONT أو من خلال توقيع بروتوكولات التفاهم مع سلطات الرقابة الأجنبية في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. إلى جانب توقيع الجزائر على مختلف الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، نظرا للطابع العابر للحدود لهاتين الظاهرتين.
وفي هذا الصدد تحرص الجزائر على متابعة توقيع اتفاقيات التعاون بين خلية معالجة الاستعلام المالي ونظيراتها الأجنبية، خاصة الغير المنخرطة في مجموعة “إغمونتت”، ومباشرة توقيع اتفاقيات تعاون بين سلطات الضبط الرقابة والإشراف لمختلف الخاضعين تحديدا اللجنة البنكية ونظيراتها الأجنبية في مجال رقابة الدخول والإشراف. وكذا مضاعفة جهود اللجوء إلى التعاون غير الرسمي لمكافحة تبييض الأموال، الذي يتولّد من الجرائم الأصلية لاسيما الفساد، الغشّ الضريبي، الغش الجمركي، الإتجار في المخدرات، تهريب البضائع وتهريب المهاجرين.
ترسانـــة قانونيـة
وفي إطار جهودها التشريعية للوقاية من الظاهرتين ومكافحتهما، سنّت الجزائر ترسانة قانونية، وعدّلت القائمة منها، ونذكر هنا القانون رقم 23-01 المؤرّخ في 7 فيفري 2023 المعدل والمتمّم للقانون رقم 05-01 المؤرّخ في 6 فيفري 2005 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما. والمرسوم التنفيذي رقم 23-50 المؤرّخ في 3 جانفي 2023 المتعلّق بإنشاء اللجنة العملياتية لتنسيق السياسات وعمليات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
ثم المرسوم التنفيذي رقم 23-431 المؤرّخ في 29 نوفمبر 2023، المتعلق بتشكيلة وتنظيم وسير لجنة متابعة العقوبات الدولية المستهدفة والسجل العمومي للمستفيدين الحقيقيّين، وشروط ممارسة سلطات الضبط للرقابة والإشراف في مجال الوقاية ومكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار الأسلحة.
وإضافة إلى هذه التعديلات، تضمّن قانون المالية للسنة الحالية عددا من التدابير المعزّزة لجهود الجزائر في المجال، تمثلت في تعزيز النظام الضريبي المرتبط بمكافحة ظاهرة الغشّّ الضريبي، والذي يهدف إلى اعتماد تدابير ضريبية جديدة في قانون المالية لسنة 2025، يتم من خلالها اعتماد مفهوم الغشّ الضريبي الجسيم في قانون الضرائب، مع تحديد العناصر والعوامل التي تميّزه عن الغشّ الضريبي العادي، فضلا عن زيادة الغرامات والمتابعات القضائية التي سيتم تطبيقها بموجب هذه التدابير، وتكييفها على أنها حالات تبييض أموال، وتقدم إلى السلطات القضائية المختصة لفتح تحقيقات مالية واتخاذ الإجراءات اللازمة لمقاضاتها. إلى جانب اعتماد نص يجرم ارتكاب جريمة البيع غير المشروع للممتلكات المسروقة في إطار قانون العقوبات، واعتماد نظام قانوني لدعم الأصول الافتراضية وأنشطة مقدمي خدمات الأصول الافتراضية، وكذا إصدار نظام بنك الجزائر المتعلق بتطبيق متطلبات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب من قبل المؤسسات المالية، خاصة ما يتعلّق باليقظة تجاه الزبائن والمقاربة على أساس المخاطر. علاوة على إصدار النص المتعلق بالرقابة الداخلية لدى الخاضعين للتنظيم، واعتماد النظام القانوني المتعلق بمؤسّسات الائتمان وهيئات قانونية أخرى مماثلة تجاه الأجانب، الذين يمارسون أنشطتهم على الأراضي الوطنية طبقا لتوصيات مجموعة العمل المالي.
تعزيز الإطار المؤسّساتي البشري
عزّزت الجزائر في إطار جهود الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، الإطار المؤسّساتي، بإنشاء الوكالة الوطنية لتسيير الممتلكات المصادرة وذلك في إطار قانون الإجراءات الجزائية الجديد، الذي اعتمده نواب الأمة قبل أيام، إلى جانب تعديل القانون الأساسي لخلية معالجة الاستعلام المالي.
وفي السياق نفسه، تم إصدار التعليمة رقم 01 المؤرّخة في 11 ربيع الثاني 1445 الموافق لـ 26 أكتوبر 2023، المتعلقة بالتزامات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب الخاصة بالمؤسسات والمهن غير المالية المحدّدة، وهي ملزمة للخاضعين، وتحدّد التعليمة الإجراءات التي يجب اتخاذها لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وتحديدا فيما يتعلق بالمؤسّسات والمهن غير المالية المحدّدة. وتأتي هذه الخطوة تنفيذا لما جاء في الاستراتيجية الوطنية للوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما.
بصمة الجزائر في مكافحة تمويل الإرهاب
عانت الجزائر من ويلات ظاهرة الإرهاب وسط حصار دولي غير معلن، غير أنها استطاعت وحدها هزيمة الظاهرة والقضاء عليها محليا، وأصبحت رائدة دوليا في مجال مكافحة الإرهاب وتمويله، وتماشيا مع التزاماتها الدولية قامت الجزائر بتعديل القانون 05/01 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، الذي يهدف، بحسب وزارة العدل، إلى تكييف التشريع الوطني مع المعايير الدولية، خاصة مع توصيات مجموعة العمل المالي، من خلال إدراج جملة من الاجراءات ترمي إلى رفع بعض التحفظات التي أبدتها هذه المجموعة، وهذا تجسيدا لتعليمات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون. ويعد هذا التعديل الرابع من نوعه، حيث تم تعديل القانون سنوات 2012، ثم 2015، ثم 2023، وذلك ضمانا لتكييف التشريع الوطني والتزامات الجزائر الدولية.
هذا على الصعيد المحلي، أما على الصعيد الدولي، فقد تركت الجزائر بصمة بارزة في مجال مكافحة تمويل الإرهاب، عندما قدمت لائحة تجرم دفع الفدية لتحرير الرهائن وقد صادق عليها مجلس الأمن الدولي بالإجماع عام 2014، وكان هدف الجزائر من وراء ذلك هو تجفيف أهم منابع تمويل الإرهاب، في وقت كانت العديد من الدول تقدم خدمات كبيرة بالخضوع لابتزازات الجماعات الإرهابية، التي اتخذت من اختطاف الرهائن مصدرا هاما لتمويل نشاطاتها، في وقت رفضت فيه الجزائر الخضوع ودفعت ثمنه من أرواح إطاراتها، لتكون دولة رائدة في مكافحة تمويل الإرهاب عن طريق دفع الفدية. ومع مطلع السنة الجارية، اعتمد مجلس الأمن الدولي ما أصبح يعرف بـ«مبادئ الجزائر”، بشأن تمويل الإرهاب باستخدام التكنولوجيات الحديثة الذي اعتبرها إرثا ملموسا لعهدة الجزائر الأولى في مجلس الأمن، وإسهاما تاريخيا في تعزيز السلم والأمن الدوليّين، وإطارا دوليا جديدا لمواجهة التحديات الناجمة عن التطور السريع للتكنولوجيات المالية، كما يكرّس هذا الاعتماد التزام الجزائر الدائم بمكافحة الإرهاب ودورها القيادي في هذا المجال.